تفكر في الآية : ومن يتق الله يجعل له مخرجا

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى:

وأما قوله تعالى " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" سورة الطلاق .

فقد بين فيها أن المتقي يرفع الله عنه المضرّة بما يجعله له من المخرج ، ويجلب له من المنفعة بما

ييسره له من الرزق ، والرزق اسم لكل مايفتدى به الإنسان وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة وقد

قال بعضهم ما افتقر تقي قطّ. قالوا ولمَ؟ قال : لأن الله يقول : "
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه

من حيث لا يحتسب
" .

وقول القائل : قد نرى من يتق وهو محروم ، ومن هو بخلاف ذلك وهو مرزوق .

فجوابه:أن الآية اقتضت أن من يتق يُرزق من حيث لا يحتسب ، ولم تدل على أن غير المتقي لا يرزق

، بل لابد لكل مخلوق من الرزق قال الله تعالى " وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها " سورة

هود . حتى أن ما يتناوله العبد من الحرام داخل في هذا الرزق ، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة،

ويرزقون رزقا حسنا ، وقد لا يرزقون إلا بتكلف ،وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ، ولا

يكون رزقهم بأسباب محرمة ، ولا يكون خبيثا ، والتقي لايحرم ما يحتاج إليه من الرزق وإنما يحمى

من فضول الدنيا رحمة به وإحسانا إليه.فإن توسيع الرزق قد يكون مضرّة على صاحبه .وتقديره يكون

رحمة لصاحبه .
قال تعالى "
فأما الإنسان إذا ما بتله ربه فأكرمه وعّمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتله فقدر عليه

رزقه فيقول ربي أهانن كلا
" أي : ليس الأمر كذلك . فليس كل من وُسع عليه رزقه يكون مكرما ،

ولا كل من قدر عليه رزقه يكون مهانا ، بل قد يوسع عليه رزقه املآء واستدراجا ، وقد يقدر عليه

رزقه حماية وصيانة له ، وضيق الرزق على عبد من أهل الدين قد يكون لما له من ذنوب وخطايا ،

كما قال بعض السلف : إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه

وسلم " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق ضيق مخرجا ورزقه من

حيث لا يحتسب ".1
وقد أخبر الله تعالى أن الحسنات يذهبن السيئات
، والاستغفار سبب للرزق والنعمة .وأن المعاصي

سبب للمصائب والشدة فقال الله تعالى " ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " إلى

قوله " ويؤت كل ذي فضل فضله" سورة هود . وقال تعالى " استغفروا ربكم إنه كان غفارا" إلى

قوله "ويجعل لكم جنت ويجعل لكم أنهارا " سورة نوح . وقال تعالى "
وألو استقاموا على الطريقة

لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه
" سورة الجن . وقال تعالى "
ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا

عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
" سورة الأعراف . وقال

تعالى"
ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من رّبهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم
" سورة المائدة. وقال تعالى " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " سورة

الشورى . وقال تعالى " ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور" سورة هود

. وقال تعالى " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " سورة النساء . وقال

تعالى " ف
أخذناهم بالبأساء والضرآء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جآءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست

قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون
" سورة الأنعام .

وقد أخبرالله تعالى في كتابه أنه يبتلي عباده بالحسنات والسيئات فا لحسنات هي النعم ، والسيئات هي

المصائب ، ليكون العبد صبارا شكورا ,
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء

إلا كان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته

ضراّء صبر فكان خيرا له2 ـ 3ا هـــ
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ

1 ـ رواه بن ماجة في كتاب الأدب 57 باب الاستغفار 3819، بسنده عن عبدالله بن عباس
" رضي
الله عنهما " ورواه أبوداوود في كتاب الوتر26 وأحمد بن حنبل في المسند 1 /248 الحلبي وضعفه
العلامة الألباني .
2 ـ رواه الإمام مسلم في كتاب الزهد 13 باب المؤمن أمره كله خير .
3 ـ التفسير الكبير لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ط دار الكتب العلمية 6 / 72 ـ 73 ـ 74 ـ 75 .
These icons link to social bookmarking sites where readers can share and discover new web pages.
  • Digg
  • Sphinn
  • del.icio.us
  • Facebook
  • Mixx
  • Google
  • Furl
  • Reddit
  • Spurl
  • StumbleUpon
  • Technorati

Leave a comment

حياكم شاركونا برايكم..